التاريخ
وبناء حكاية الرواية الليبية
نماذج
منتقاة من أعمال الكوني والغزال والأصفر الروائية
(نزيف
الحجر، التابوت، سرة الكون)
ورقة
معدة لندوة مركز الجهادسنة 2008
عبد الحكيم
سليمان المالكي
تتعاطى السرديات [1]مع النص السردي سواء كان قصة أو رواية من خلال إستراتيجية مركزية تفكك هذا العمل لأربعة مستويات[2]، بحيث تصبح هذه المستويات الأربع بمثابة المدخل الشرعي للتعاطي النقدي مع النص السردي (قصة أو رواية).
تتعاطى السرديات [1]مع النص السردي سواء كان قصة أو رواية من خلال إستراتيجية مركزية تفكك هذا العمل لأربعة مستويات[2]، بحيث تصبح هذه المستويات الأربع بمثابة المدخل الشرعي للتعاطي النقدي مع النص السردي (قصة أو رواية).
هذه
المستويات ليست مستويات معزولة أو تتناول كل منها نصا بذاته، وإنما هي مجرد مداخل
خاصة تنظم تعاطي المشتغل بنقد السرد مع النص الذي ينوي الاشتغال عليه. بينما ينطلق
بعض السرديون في ممارستهم الإجرائية من ثلاثة فقط من المستويات حيث نجد يقطين
ينطلق من مستويات: القصة أو الحكاية الأولى، والخطاب و يتابعه عن طريق العلاقة
الحاصلة بين الراوي والمروي له ثم المستوى الثالث وهو مستوى النص و نتابعه عن طريق
العلاقة بين الكاتب والقارئ.[3]
ونجد جيرار جينيت يشتغل على الخطاب الذي يسميه بخطاب الحكاية، وكذلك السرد (الذي
يسميه الغير بالممارسة السردية) وينقسم لديه لسرد ووصف وكذلك مستوى النص حيث يتابع
فيه التفاعلات النصية المختلفة.
ولعل من أهم المفاهيم
التي رسخها هؤلاء السرديون عملية الفصل بين المستويات عند الحديث عن أي من عناصرها
أو مكوناتها، حيث يتم الحديث عن الراوي في مستوى الخطاب ومستوى الممارسة السردية
بينما نتحدث عن الروائي أو القاص أو الكاتب في مستوى النص باعتبار أن مستوى النص
له علاقة بالدلالة والقصد ونجد الشخصية (والفاعل) في مستوى الحكاية و نسميها هنا
الحكاية الأولى (وليس القصة كما يفعل أهل السرديات) وذلك دفعا للخلط الذي قد يحدث
بينها وبين القصة كنوع من الأنواع الأدبية والتي تنقسم لقصة قصيرة وقصة طويلة وهي
تنقسم حسب أغلب نظريات السرد لما يلي:
1 - حدث ( فعل) . 2-
شخصية (فاعل).
3 - زمن. 4 - مكان (فضاء) [4]
المستوى
الأول/مستوى الحكاية التأسيسية الأولى
تمثل الحكاية
الأولى المادة الحكائية الأصلية التي عبر اختيارها والانطلاق منها يتحقق للعمل
السردي (الروائي أو القصصي) تواجده، وتتوازى المادة الحكائية الأولى انطلاقاً من
تكوينها المركزي والأولي مع بنية الجملة الفعلية في اللسانيات والتي تتكون من فعل
وفاعل يحدث في وعاء زمني ومكاني. إن المادة القصصية .
وتمثل المكونات
الأربعة السابقة (حدث، شخصية، زمن، مكان) أس تشكُّل الحكاية، ويتحقق عبر حسن
التوازن عند اختيارها وترابط ذلك بالدوافع الداخلية والإيديولوجية وترابط تلك
المكونات كتأسيسات أولى، يتحقق للقاص مراداته الخفية المندسة بالظهور عبر الخطاب
الحكائي عموما سواء كان ذلك رواية أو قصة.
المستوى
الثاني/ الخطاب السردي:
ينطلق السرديون
من كون الخطاب هو النص المكتوب منظوراً إليه داخليا من خلال علاقة بين الراوي
والمروي له، وتمثل عملية التخطيب طريقة التشكيل النهائي للحكاية الأولى، عبر تغيير
زمن الحكاية الأولى الأصلي المتسلسل خطيا ونتيجة للإمكانيات المفتوحة لتخطيب
الحكاية الأولى، نجد أنه من الممكن الحصول على عدد لانهائي من الخطابات، ويتم
متابعة طرح الخطاب الروائي "بين الراوي والمروي له عبر مكونات الخطاب
الروائي التالية:
والراوي عبارة عن تلك الذات الوهمية التي يضعها
الروائي داخل الخطاب لتروى الحكاية بدلاُ منه، ونسميه الراوي في كل الحالات سواء
كان الضمير المستخدم ضمير المتكلم أو الغائب أو المخاطب، ونفترض أن خطابه موجهاً
داخلياً إلى المروي له أو لهم والذين ينوبون عن القارئ أو القراء داخلياً، ونلاحظ
في السرد ميولاً (أسلوبياً) لدى الكاتب لجعل الراوي يهيج المروي لهم من خلال
التساؤل المستمر أو توجيه الخطاب لهم كأنهم ذوات حاضرة حتى في حالة استخدام ضمير
الغائب.
تمظهرات الخطاب
السردي
1 - الزمن. 2 - الصيغة.3
- الرؤية والصوت (التبئير).
المستوى الثالث/الممارسة السردية :
تتم ممارسة
الفعل السردي عبر الراوي الذي يقوم بعملية السرد حيث "إن النص الروائي في
جملته ينقسم إلى مقاطع وصفية ومقاطع سردية (وأيضاً إلى حوار إنما الثنائية
الأساسية هي بين الوصف والسرد) [6] وسنجد بعض الاشتغالات
العربية في هذا المجال حيث يتم التعاطي مع مستوى الممارسة السردية من خلال تقسيمها
لسرد ووصف[7]بينما
يمثل الأشتغال الرئيسي في هذا المجال اشتغال جيرار جينيت حيث قسم تلك الممارسة
لنوعين فهي إمّا أن تكون وصف وأما سرد حيث يقول:
"كل حكي يتضمن -بطريقة متداخلة أو بنسب
شديدة التغير- أصنافاً من التشخيص لأعمال وأحداث تكون ما يوصف بالتحديد سرداً. هذا
من جهة ،ويتضمن من جهة أخرى تشخيصاً لأشياء أو لأشخاص ، وهو ما ندعوه في يومنا هذا
وصفاً " وينتقل "جينيت" بعد أن يعكف على دراسة طبيعة كل من السرد
والوصف ليوضح أن القانون الذي يخضع له السرد، يختلف عن ذلك الذي يخضـع له الوصف،
ويؤكد على أنه في حين من الممكن الحصول على وصفٍ خالصٍ فإنه من الصعب الحصول على
سردٍ خالصٍ. ويمضي ويضيف أن الأفعال في ذاتها تحمل طابعاً وصفياً، فهناك فرق بين
أخذ السكين وأمسك السكين والتي نرى فيها وصفاً لممارسة الفعل (الإمساك). ويستنتج
"جينيت" "إن الأمر يرجع دون شك إلى أن الأشياء يُمكِنها أن تُوجَدَ
بدون حركة، ولكن الحركة لا توجد بدون أشياء". [8]
ينقسم الممارسة
السردية إلى سرد ووصف
أولاً: محور
السرد ويتم فيه متابعة الظواهر الجمالية في السرد مثل التأطير والترهين وغيرها من
الظواهر الجمالية في السرد.
ثانياً مستوى
الوصف : ويتم عبره متابعة ممارسة الراوي للتصوير من خلال عدة محاور تناقش الصورة
مثل الحواس المستخدمة وكذلك الحركة والثبات للصورة وغيره.
المستوى الرابع / مستوى النص :
يتحدث يقطين كأغلب المشتلين بالسرديات عن ثلاثة
مستويات ويعرف سعيد يقطين النص بأنه " بنية دلالية تنتجها ذات
ضمن بنية نصية منتجة في إطار بنية سوسيونصية ".
ويمثل قطبي التفاعل في التفاعل النصي الكاتب
والقارئ، ولقد ركزت منجزات سعيد يقطين في انفتاح النص الروائي[9]، على ثلاثة محاور للتعاطي مع المستوى النصي:
1)
البنية النصية: حيث يتحدث عن بناء النص على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي،
وفي الجانب الداخلي يطرح يقطين علاقات زمن القصة بزمن الخطاب بزمن النص.
2) التفاعل النصي: يمثل
التفاعل النصي نفس ما عرفه جينيت بالتعالي النصي وقد مارس يقطين اشتغاله على ثلاثة
أنواع من التفاعل النصي :
.أ) المناصة : وهي نفس ما
حدده جينيت (بالنص الموازي) ويتم فيه متابعة العلاقة بين بنية نصية وأخرى في مقام
وسياق معينين بينما يسمي العتبات(العناوين الرئيسية والفرعية، والكلمات السابقة
للفصول) بالمناصات الخارجية ولا يشتغل
عليها ضمن بحثه المذكور.
ب) التناص: ويتحقق عبر العلاقة التي تتم بين نص
وأخر عبر التضمين (وليس التجاور كما في المناصة) بحيث يسمى كل بنية نصية بمتناص.
ج) الميتانصية : وهي نوع من
المناصة ولكن تأخذ طابعا نقديا محضاً بين نص وأخر.
كما اشتغل بشكل من الأشكال
على النوع الخامس لدى جينيت وهو معمار النص ضمن اشتغال أكبر في مشروعه المشترك
(الكلام والخبر) و[11] (قال الراوي)[12] .
3) البنيات السوسيونصية[13]:. وينطلق فيها لدراسة العلاقة التي يقيمها النص مع البُنى الاجتماعية
والسياق الثقافي، كما يقدم عبر مستوى البنية النصية الكبرى والبنية السوسيونصية ،
يقدم رؤية لكيفية الاستفادة من هذه المفاهيم والاشتغال على النص من الداخل بدل
الإسقاط الخارجي الذي عانت منه الكثير من الدراسات الاجتماعية ويقدم محددات لدراسة
البنية الاجتماعية داخل النص الروائي كما يقيم على سبيل التركيب دراسة
للقارئ والكاتب.
التاريخ والسرديات :
نظراً لرغبتنا في الانطلاق من السرديات
-وما تقدمه من منجزات- للتعاطي مع التاريخ ودراسة دخوله للرواية، فإننا ندرك أن
المداخل السردية[14]
الصحيحة لا يمكنها تجاوز مدخلين:
الأول عبر مستوى الحكاية من خلال البحث
عن العلاقة بين التاريخ وبين مكونات بناء الحكاية (حدث، شخصية، زامن، مكان). بينما
المدخل الثاني من خلال سرديات الأجناس والأنواع وذلك يتم بالبحث في الخصائص
الجنسية للنص السري وأثر وجماليات دخول التاريخ داخل النص لسردي وقدر الانزياح
النوعي المتحقق نتيجة لذلك.
واخترنا – انطلاقاً من خصوصية المتن
الذي ننتوي الاشتغال عليه – أن يكون مدخلنا هنا هو سرديات الحكاية تاركين سرديات
الأجناس[15]
التي نعتقد أنها تكون أكثر فاعلية مع نصوص يبرز فيها التاريخ بشكل أكبر أو نصوص
تتحرك في المنطقة الفاصلة بين الرواية والتاريخ ومنها رواية د. علي فهمي خشيم
(ايناور) التي كتب على غلافها تحديد نوعي:
(رواية تاريخية)، أو رواية محمد عقيلة العمامي (الكراكوز) والتي تتحرك بين التاريخ
والسرد.
سيكون اشتغالنا ضمن هذه الدراسة على ثلاث روايات الأولى (نزيف الحجر)
لإبراهيم الكوني[16]
وسنلحظ كيف يتحول الحدث ليكون المركز ضمن الفعل وفي علاقته بالتاريخ حيث الروائي
يعيد صياغة –ما يشبه- تاريخ خاص لروايته بينما نجد في رواية (التابوت) لعبدالله
الغزال[17]
ترابط التاريخ بالشخصيات بحيث يصير لكل شخصية تاريخها الخاص ويصبح هذا التاريخ
مادة لبناء الشخصيات وللتباين بينها انطلاقا من اختلاف جذور كل منها. وفي الرواية
الثالثة (سرة الكون) سنتابع كيف مارس محمد الأصفر[18] -
منطلقا من ترابط خاص بين المكان والتاريخ- توظيف التاريخ ليصبح أداة لتأمله وأداة
لرسم رؤيته في الحاضر والمستقبل ونلحظ أثر الأماكن التاريخية في توجيه أفق خطاب
الرواية.
التاريخ في رواية نزيف الحجر لإبراهيم
الكوني
حكاية
الرواية:
تحكي رواية "نزيف الحجر قصة
"أسوف" ابن الصحراء الجنوبي والذي يعيش في "مساك صطفت"، وتطرح
في درامية عالية قصة لقاءه مع "قابيل" الشمالي العاشق للحم الغزلان
والودان تطرح من خلال ذلك ما يبدو تكراراً لحكاية قابيل وهابيل القديمة، كما تطرح
حقيقة التآخي بين الإنسان والحيوان.
الرواية
تستند إلى الماضي البعيد، وتحاول من خلال مناوشتها للقديم طرح رؤية للكون وللحياة
من خلال الأسطورة الجنوبية الجديدة المتمثلة في شخصية "أسوف" وحكايته .
تبنى
حكاية رواية نزيف الحجر من خلال مجموعة من الأحداث الصراعية. حيث يتصارع منذ
الماضي البعيد وحتى الآن العديد من الفواعل، ويأتي ذلك الصراع ليجسد في ذات الوقت
عظمة شخصية آسوف الجنوبي مقابل خسة وانحطاط قابيل الشمالي.
إن
أي قراءة لـ"نزيف الحجر" وحسب ما سنرى لا يمكنها إغفال صراع الفضاءات
المكانية، ولا يمكنها إغفال تشكيل وطبيعة شخوص تلك الفضاءات المكانية وكذلك
الطبيعة الخاصة للحكايات الداخلة في تركيب الرواية والتي يفصل بينها على مستوى زمن
الحكاية مدى طويل والتي تتشكل من أحداث ذات طبيعة نوعية خاصة ودور هذه الأحداث
التي تمثل تاريخا خاصا يوظفه الراوي لغرض بناء الخطاب الروائي في الوقت الذي نجد
فيه إهمال وعدم التركيز على قضايا تاريخية كبرى باعتبار أنها لا تدور بشكل مباشر
في صلب بناء شخصيات الرواية. منذلك نشعر ان الرواية هنا توظف تاريخها الخاص
وتموضعه حسب الرغبات الفنية للراوي والبعد الخفي لمرادات الكاتب خلفه.
بنية
الحدث عبر السير المتتالية:
تمتد سير "نزيف الحجر" السبعة من
زمن قبل وجود الإنسان إلى الزمن الآني، وتتحرك في ذات الفضاءات المكانية، الصحراء
الكبرى والجنوب والشمال الليبي، ولقد اختلفت تلك السير في طريقة تشخيصها عبر راوي
الخطاب من سير وردت كمناص[19]،
مثل سيرة (قابيل الأول)، وسير أخرى تمثل الإطار الكلي للخطاب، وبغية ولوج البُنَى
الحقيقية للخطاب لـ"نزيف الحجر" ننطلق كما يلي في شرح السير السبعة
والتي وجدناها من خلال متابعة زمن الحكاية والذي وجدناه ينقسم لسبعة أزمنة[20]،
وفي كل زمان من تلك الأزمنة نجد أحداثاً ذات مكون بنيوي متشابه.
السيرة الأولى
"انتظر حتى هل القمر وحكى له
كيف أن الودَّان هو روح الجبال. كانت الصحراء الجبلية في قديم الزمان في حرب أبدية
مع الصحراء الرملية... جمّدت الجبال في (مساك صطفت) وأوقفت تقدم الرمل العنيد في
حدود (مساك ملت). فتحايل الرمل ودخل في روح الغزلان وتحايلت الجبال من جهتها ودخلت
في الودَّان. منذ ذلك اليوم أصبح الودان مسكوناً بروح الجبال"[21].
إن السيرة الأولى محكية من قبل الراوي
ضمن حوار منقول، يتشكل من خلالها سيرة ماضوية مندسة ذات منظور إشراكي، انطلاقاً من
تعدد الآلهة في تلك السيرة والتي تعتبر زمنياً الأولى، ذلك أنها قبل وجود البشر:
إننا بالطبع لن نمضي في تحليل بنية
السيرة مضمونياً والتي تنضح منها وبشكل علني مواقف خاصة للكاتب خلف المكتوب، ولكن
سنحاول الخروج- من خلال هذه السِّيَر التي وجدنا إنها تمثل بنية دالة على الصراع
الداخلي الذي تجيش به بنية النص:
الحدث:
صراع.
الشخصيات:
(الجبال/صحراء)، ثم (مساك صطفت/مساك ملت)، ثم (الودان/الغزال).
الزمن:
قبل وجود الإنسان على الأرض.
المكان: الجنوب الليبي.
السيرة الثانية
"وحدث
إذ كانا في الحقل أن قابيل قام على هابيل أخيه وقتله، فقال الرب لقابيل: أين هابيل
أخوك ؟. فقال: لا أعلم. هل أنا حارس لأخي ؟ فقال: ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ
إليّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك.
متى علمت الأرض لا تعود تعطيك قوتها.
تائهاً وهارباً تكون في الأرض"[23].
إننا في السيرة الثانية نتلقى إعادة
لقصة "قابيل" و"هابيل" القديمة من خلال منقول وضع كمناص في
الصفحة السابقة للعمل، المنقول مأخوذ من (العهد القديم)، إن هذه السيرة تمثل عملية
القتل الأولى على الأرض، ومن خلال ربط بين اسم "قابيل" كشخصية لهذه
السيرة القديمة، وبين "قابيل" الآن، نجد أن هذه السيرة قد أوجدت لغرض
توظيفها ضمن بنية الصراع الحاصل بين الطوارق – أصحاب لغة التيفيناغ- وغيرهم من
الشماليين، ذلك أن "قابيل" الجديد والذي يجدد سيرة "قابيل"
الأول، شمالي المنبت والتربية، وستتحول سيرته (السيرة رقم 6) لتخدم الصورة الكلية
التي أرادها الراوي للخطاب ومن خلفه الروائي.
السيرة الثالثة
السيرة الثالثة سندرسها ونتلمسها من خلال
التآخي بين الإنسان والحيوان، أو ربما بين الجني والحيوان صورة الكاهن
"متخندوش" والودان، والتي صورت أمامنا في صورة نحتية، يطرح عبر صمتها
وانتصابها حقيقة أرادها الراوي وخلفه الروائي، إن هذه الصورة ستتجلى نهائياً في
السيرة الأخيرة عندما يقوم "قابيل" بقتل "أسوف" ويكتب بلغة
(التيفيناغ) لغة الطوارق ما أراد ذلك النصب الوثني لـ"متخندوش" الكاهن
أن يقوله، أن تلك الصخرة وذلك النصب قد شُخِّصَا لتوضيح العلاقة الخالدة التي
أوجدها الراوي للخطاب بين الإنسان القديم الطارقي صاحب لغة (التيفيناغ) والوثني
وبين الودان:
"الصخرة
العظيمة تحد سلسلة الكهوف وتقف في النهاية كحجر الزاوية، لتواجه الشمس القاسية عبر
آلاف السنين، وقد زينت بأبدع رسوم إنسان ما قبل التاريخ، على طول الصخرة الهائلة
ينهض الكاهن العملاق، يخفي وجهه بذلك القناع الغامض، ويلامس بيده اليمنى الودان
الذي يقف بجواره مهيباً، عنيداً، يرفع رأسه... "[24].
نحن نتابع من خلال الراوي، العلاقة
الأخوية الحميمة بين الكاهن والودان، الودان الذي طرح من خلال السيرة الأولى كروح
للجبال وكذلك نتابع كيف يوقم الراوي عبر تلك
الصورة بطرح عظمتهما.
إننا
إذن أمام أسطرة[25]
لكاهن الطوارق القديم وتمثالها لدرجة الإغراق، كما أن اللوح الحجري الذي أمامه هو
اللوح المحفوظ (كما شخصه الروائي "إبراهيم الكوني").
"تقاطرت
خيوط الدم على اللوح الحجري. فوق اللوح المدفون إلى نصفه في التراب كتب بالتيفيناغ
الغامضة..... استمر نزيف الحجر على اللوح المحفوظ في حضن الرمال"[26].
إننا أمام تشخيص مزدوج وقوي لمكونين كما
يلي:
1)
مكون العلاقة
الأخوية بين الكاهن و الودان.
2)
مكون عظمة ذلك النصب وتلك العلاقة.
أي
أننا أمام سيرة تطرح وتؤكد على خلفية أخرى للطوارق، خلفية ماضوية تمتلك لوحها
المحفوظ، ولغتها (التيفيناغ) و ودَّانها المقدس وكاهنها المنبئ للأجيال بالخلاص،
ورمزها الإنسي الآني "أسوف" والذي تحول في اللحظة السابقة لبداية السيرة
السابعة (الإطارية) في بداية الخطاب المشخص؛ تحول من الصلاة للقبلة إلى الصلاة
للنصب وأحس براحة ورِضَا الكاهن[27].
إن صراع الفضاءات المكانية يتجسد عبر كل ذلك في تحول "أسوف" الطارقي من
(الكعبة) قبلة جميع المسلمين إلى الصنم (قبلة الطوارق القديمة) تمهيداً لعزله عن
كل ما ينافي أصله القديم.
السيرة
الرابعة
السيرة الرابعة هي سيرة والدي
"أسوف" (أبوه وأمه) والتي تتمثل في خيانة والده للنذر الذي نذره للودان
في بداية حياته، ذلك الودان الذي أنقذه وهو معلق في الهاوية[28].
نقض النذر وأكل لحم الودان هو وزوجته، ثم بعد
فترة مات ودان أخرٌ وهو يطارده منتحراً،[29]الوالد
استمر معذَّباً وشاعراً بالألم، حتى ذهابه في يوم ما لمطاردة الودان و حاول قتلة،
فنال جزاءه المتمثل في قتل الودان له
وسقوطه في الهاوية، ولأنه نادم على قتله للودان حتى في لحظاته الأخيرة فإنه بعد
الموت نال الجزاء الثاني وهو التوحد بالودان[30]،
الأم كذلك نالت جزاءها عبر عملية التطهير التي يمارسها السيل. داهمها السيل وماتت،
السيل الذي استخدم في روايات "الكوني" كفاعل تطهير للأجساد والأشخاص من
الخطايا.
إننا عبر السيرة الرابعة التي توزعت في
المنتصف الأول من الخطاب الروائي، نجد أنفسنا باستمرار في تشخيص يؤسطر فيه الراوي
الودان روح الجبال.
إن والد "أسوف" سيظهر له في اللحظات الحرجة في وجه الودان وذلك عندما يسقط في الهاوية ، أي أننا هنا أمام الوالد وقد تحول لمقدس (حسب النص) وذلك لتوبته عن قتل الودان.
السيرة الخامسة
السيرة الخامسة هي سيرة "أسوف"
والتي حدثت بعد وفاة أبيه، وقبل وفاة أمه، والتي حصلت نتاجاً لقيام "أسوف" بمحاولة صيد
الودان. ثم سقوطه في الهاوية.
ثم
بعد خروجه من تلك الهاوية بواسطة الصبر، الصبر الذي هو كلمة السر للخروج من هاوية
الرمز، أو هاوية الذات، ويتحقق الخروج ويصاحب ذلك رؤية الوالد في الودان، ثم
التحول، إن السقوط في الهاوية هو رمز لتطهير "أسوف" من إثم محاولة قتل
الودان رمز الجبال ورمز تلك المنطقة.
إن
"أسوف" ذاته سيتوحد مع الودان عند الهرب من الإيطاليين متحولاً من بشري
إلى ودان، ومحققاً من خلال ذلك تكرر ذلك الترابط بين الكاهن "متخندوش"
وبين الودان. ونلحظ مما سبق كيف تركز الرواية على الشخصية أسوف وتترك الوقائع
التاريخية، ذلك أن التاريخ الذي يرغب الراوي في رصده هو تاريخ أسوف وهو تاريخ
مختلف عن السائد والمتعارف عليه.
السيرة السادسة
(سيرة قابيل) والتي تمثل بنية تضاد
لسيرة "أسوف"، وبذلك ينسب "أسوف" ابن الجبل والجنوبي الطارقي
لـ"متخندوش" الكاهن والتوحد مع الودان كمملوك والوثنية كمعبود، فيما
ينتمي قابيل لقابيل الأول، ويصبح بذلك رمزاً للشمال الذي قدم منه، رمزاً للآخر غير
الطارقي الأبيض اللون. تبدأ السيرة بمولد قابيل:
"قصته مع اللحم بدأت منذ
الرضاعة. مات الأب مطعوناً بالسكين عندما حبلت به أمه. وماتت الأم متأثرة بلدغة
أفعى بعد ولادته بأسبوع".[31].
إن "قابيل" سيستمر في التجلي أمامنا
من خلال الراوي عبر السرد الذي يلخص سيرته المُنْتَقَاةُ له، حيث بعد أن قامت
خالته وزوجها بإرضاعه دم الغزالة، وتحولت بذلك الغزالة في تحول خرافي افتراضي لأخت
له نتيجة لعهد قُطع بين الغزالة وخالته وزوجها، ثم بعد أن توفت خالته وزوجها أخذته
القافلة وتبناه رجل القافلة التي أخذته والرجل الذي تبناه يدعى آدم، عندما ذهب في
أحد رحلاته بعد تبنيه إلى "كانو" وعرض أمره على المشعوذين، قال له
المشعوذ نبوءة خاصة:
"من
فطم على دم الغزال في الصغر لن يستقيم حتى يشبع من لحم آدم في الكبر".
دهش
آدم وصاح بالساحر الزنجي:
يشبع من لحمي أنا ؟
قال
الساحر دون أن يبدو عليه الضيق:
قلت
من لحم آدم ولم أقل من لحمك أنت!.
خرج
من كوخ الساحر غاضباً. وقصد بعد يومين أشهر العرَّافين. سرد عليه قصة اللقيط من
البداية حتى حادثة اللحم النيئ، فأذهله الجواب. قال بصوت واضح:
يا
قابيل يا ابن آدم، لن تشبع من لحم ولن تروى من دم، حتى تأكل من لحم آدم، وتشرب من
دم آدم(...)أما آدم فتوغل في رحلة تجارية إلى الأدغال. فمزقته قبائل "يم
يم" بالحراب، وقطعته، وأكلت لحمه نيئاً. قبائل "يم يم" مشهورة
بحبها للحم الأبيض"[32].
"قابيل" سينمو ويترعرع صياداً
للغزلان، يبطش بها أينما وجدت، ويساهم بمعونة المستعمر (جون باركر ضابط القاعدة)
في القضاء على آخر غزالة أمامه وعبر تشخيص مؤسطر لشناعة شخصيتة في خاتمة السيرة
نجده في آخر هذه السيرة يذهب وصديقه "مسعود" مع الأمريكي "جون
باركر" والسائق، ويقتل الغزالة التي تم عهد الأخوَّة بينه وبينها مع خالته
والتي أصبحت أخته بالدم. يقتلها ويأكل من لحمها وبذلك يحل الجزاء وهو اللعنة.
إن قابيل وهو يدور مدمناً فاقداً للحم الغزلان،
سيذهب تجاه الجنوب ليحدث الصدام وتبدأ السيرة؛ السيرة السابعة والأخيرة.
السيرة السابعة
هي
سيرة قيام "قابيل" بصلب "أسوف" عند النصب الوثني
لـ"متخندوش"، وذبحه، إنَّ دم "أسوف" وهو يسيل فوق النصب سيجعل
عبر توحده بدم الودان من الحروف التيفيناغية تنطق الكاهن الأكبر بنبوءة جديدة
لسيرة منتظرة، إن الرمال عند النصب تتحول إلى لوح محفوظ [34].
إن السماء ستسودّ وستحجب شمس الصحراء وتنتهي السيرة، لتبدأ سيرة أخرى.
إن السيرة السابعة هي سيرة تأطيرية، لكل
الخطاب الروائي، إنها تبدأ منذ الصفحة الأولى من خلال سماع "أسوف" لهدير
السيارة:
"سمع
هدير المحرك البعيد، فقرر....."[35].
وذهاب "أسوف" ليصلي أمام النصب الوثني "قطع صلاته، ولعن
الشيطان، وذهب ليؤدي الفريضة في مواجهة أهم صخرة في وادي "متخندوش"[36].
بحيث
تحل - حسب الخطاب الروائي- اللعنة على "قابيل" قاتل أخته الغزالة،
ويتوحد "أسوف" مع الودان تاركاً الكعبة متوجهاً للنصب الوثني. إنّ
"أسوف" بعد تحوله سيقابل "قابيل" وسيتصارع كل من
"أسوف" الأسمر ابن المكان والعابد للوثن مع قابيل الشمالي.
إن
"أسوف" سيقتل في صراعه مع "قابيل"، وسيتم صلبه أمام النصب
ليعيد للصحراء من خلال عودة "قابيل" في روح شمالي، يعيد لها وثنها
المتكلم وودانها المقدس وتحل البركة التي يرغبها الراوي وخلفه الروائي، كما أن هذه
الرمال وحسب الرموز المبثوثة في النص تمتلك لوحها المحفوظ المختلف عن اللوح
المحفوظ الذي يؤمن به الشمالي، ذلك اللوح وحسب ترميزات الراوي هو رمال الصحراء
الصامتة التي أنطقها دم – القربان أسوف- وأنطقها بالوعد المندس منذ أزمنة لتلك
الفئة من الناس.
خلاصة
وتحول من المستوى الحكائي للنصي:
إننا وبعد البحث في تلك السير السبعة المكونة
لنص "نزيف الحجر"، نجدها تبني كما يلي:
جدول (1) يوضح
طبيعة بناء الحكاية في الرواية
|
ترتيب السير |
الفضاء
المكاني
|
المدى |
الزمن
(كترتيب)
|
الجزاء
|
1
|
سيرة
صراع الجبال والرمال
|
الصحراء
الليبية
|
سيرة
ومضة
|
الأقدم
|
هبوط
الإنسان
|
2
|
سيرة
"قابيل" و"هابيل"
|
غير
معروف
|
سيرة
ومضة (مناص)
|
قديم
جداً
|
الطرد
واللعنة
|
3
|
"متخندوش"
والودان
|
الصحراء
الليبية الجنوبية عند الجبل
|
سيرة
صامتة
(
ومضة)
|
قديم
جداً
|
التوحد
والخلود
|
4
|
سيرة
والدي "أسوف" والودان
|
الجنوب
الليبي
مساك
صطفت
|
سيرة
مرحلة نصية
|
أول
القرن الماضي
|
اللعنة
ثم التطهير
|
5
|
سيرة
"أسوف" والودان
|
الجنوب
الليبي
مساك
صطفت
|
سيرة
مرحلة نصية
|
ثلاثينات
القرن الماضي
|
التوحد
ثم التحول
للولاية
|
6
|
سيرة
"قابيل" والغزالة (أخته)
|
الشمال
الليبي
|
سيرة
مرحلة نصية
|
منذ
ثلاثينات القرن الماضي وحتى الستينات
|
اللعنة
|
7
|
سيرة
"أسوف" و"قابيل"
|
الجنوب
الليبي
مساك
صطفت
|
سيرة
إطارية للنص كله
|
الستينات
من القرن الماضي
|
لعن
وهلاك لـ"قابيل"
فوز
نهائي لـ"أسوف"
|
إننا
عبر الجدول السابق نرى أن السيرة الإطار هي سيرة "أسوف"
و"قابيل" وأنها تؤطر الخطاب الكلي لكل السير الأخرى، كما نلاحظ أن هناك
مكون بنيوي واضح أسس من خلاله "إبراهيم الكوني" هذه السير المتتالية،
ونؤكد هنا أنه من خلال متابعتنا لأعمال "إبراهيم الكوني" لاحظنا اهتمامه
بالبنية الرقمية داخل النص فعدد السير التي ظهر فيها "أسوف" لوحده (13)
وكذلك عدد السير التي ظهر فيها "قابيل" (سواء مع "أسوف" أو
بدونه) (13) أيضاً وهو ما يبدو أن الكاتب يسعى للترميز للعنة من خلال هذا الرقم
الذي تتطير منه المجتمعات الغربية.
بنى السِيَرْ
(الأحداث) المركزية وعلاقتها مع بنى الشخصيات:
حقق
"إبراهيم الكوني" من خلال حكايته السابقة وعبر راويه - والسير المنتهية
بمكون الجزاء البنيوي- طرح قصص تحمل طابع خاص أقرب للقصص الديني أو الوعظي، حيث
تأسست أمامنا عبر الحكايات السابقة ثلاثة حكايات مركزية تمثل التاريخ القديم الذي ينشده راوي الرواية
بينما يهمل غيره من تواريخ أخرى تتحقق في ذات المكان وتصبح هذه المادة التاريخية
أداة لتجهيز المروي له لتقبل المادة التي تحدث في الماضي القريب، بحيث يصبح التاريخ
الصراعي القديم أداة للتأكيد والبرهنة على تحقق التاريخ القريب وعلى رسم صورة
تواتر وديمومة فعل الشر من قابيل اليومن والحكايات المقصودة كما يلي
- حكاية الصراع
بين الشمال والجنوب والتي تابعناها في القصة الأولى.
- حكاية الصراع
بين قابيل وهابيل و اللعنة التي أصابت
"قابيل".
- عظمة وقدسية
الودان الذي تآخى معه الكاهن.
إن
هذه الحكايات الثلاث سابقة الذكر ستتكرر مرة أخرى كما يلي:
1) قصة عظمة الودان من خلال السيرة الرابعة والخامسة
وتحدث في الخامسة عملية تكرر لقضية التآخي بين الودان والكاهن من خلال
"آسوف" وتحوله.
2) قصة
"قابيل" الملعون تتكرر من خلال "قابيل" الشمالي.
3) قصة صراع
المناطق تتكرر من خلال "أسوف" و"قابيل" ويعتدى الشمالي
"قابيل" على الجنوبي "أسوف" وتنتهي الرواية باللعنة التي حلت
على الشمالي والفوز الذي ناله الجنوبي.
التاريخ وبناء الشخصيات في رواية
التابوت
مقدمة عن
الرواية: تمثل رواية التابوت لكاتبها عبد الله الغزال مزيجاً من
نمطين من الكتابة عزلت بينهما مراحل تاريخية وتقنية، ونادراً ما نجدهما في نفس
العمل الروائي.
النوع الأول هو النهج الواقعي والذي ينتمي للمرحلة
الواقعية الروائية من خلال رواية تحتوي علي شخصيات متعددة حاضرة وموجودة بأفكارها
وقيمها المتناقضة ومفاهيمها وجذورها المتباينة مما يحقق مفهوم الحوارية أو تعدد
الأصوات في الرواية، كما يظهر النهج الواقعي من خلال نماذج إنسانية متميزة مع حضور
البعد التاريخي والثقافي والديني والاقتصادي الذي يشكل خلفيتها وبناءها العميق، أما النوع الثاني فهو نمط كتابة كتّاب الحساسية الجديدة.
حكاية رواية
التابوت
تحكي رواية
التابوت حكاية مجموعة من الشباب وهم يستعدون للذهاب لأداء الواجب الوطني المتمثل
في الحراسة الحدودية ونجد من خلال السرد أن هناك شخصية مركزية (لا تذكر باسمها طول الرواية) هي التي
ترسم أمامنا من خلال ضمير المتكلم حركة السرد حيث سنقوم بتسمية هذه الشخصية بشخصية
"المتكلم"، ننتقل إذ مع هؤلاء الشباب ونسافر، للجنوب حيث موقع الحراسة
الحدودي ونتعرف على طول الرواية على الشخصيات الأربعة الأكثر حضوراً وهم كما يلي :
"المتكلم"
،"زيدان" ،"بشير" ،"وجمعة".
ونعود مع السرد
لقصة الشيخ الأسمر التي تبدو كجدر ماضوي لبشير، وكذلك لقصة معركة الهاني التي تبدو
كجدر ماضوي لزيدان، ونعود أيضاُ لماضي الشخصية (المتكلم)البعيد والقريب حيث يرسم
أمامنا واقع الأسر الليبية في بداية السبعينات و نتابع طبيعة التحولات الحاصلة
آنذاك، يستمر السرد بعد ذلك لتحدث عملية قتل الناقة والتي ترمز فيما يبدو لمفهوم
القتل عموماً، ومع استمرار السرد، يموت جمعة ثم يموت بشير وتنتهي بموته رواية
التابوت.
سنجد في رواية التابوت أربعة حكايات رئيسية
والرابعة هي النهائية، تمثل الحكاية الأولى حكاية الشخصية المركزية في الرواية وهو
لم يرد ذكر أسمه على طولها و سنصطلح له تسمية "المتكلم" والتي تمثل
مرحلة طفولته وشباب ورجولته، وتمثل الحكاية الثانية حكاية بشير والقصة التي تنتمى
للماضي القديم والتي تخص الشيخ الأسمر والتي تتعاضد هي وحاضره الآني على إبراز
مكانته وتمثل القصة الثالثة قصة زيدان
والتي يتحقق عبرها ماضيه -الذي يبدو كجدر مؤسس لوعيه أمامنا-وكذلك حاضره في
مزرعته. فيما تمثل القصة الرابعة قصة جمعة
لاتي تنمو أمامنا دون بشكل غير مباشر. بينما القصة الخامسة هي القصة المركزية التي
ستلتقي فيها كل تلك المجموعة لتتوجه لأداء الواجب العسكري في الجنوب وتنشأ فيها
أمامنا إضافة لتلك الشخصيات الثلاثة الرئيسية، شخصية رابعة هي شخصية "جمعة" يبدو أنها ولدت رمزياً هناك،
فلم نجد لها جذور تذكر مثل الشخصيات الثلاثة السابقة الذكر.
علاقة التاريخ
ببناء الشخصيات في التابوت:
سنمضي متابعين
بنية الحكايات التأسيسية للشخصيات المركزية الأربعة- التاريخ الخاص بكل شخصية-
وموضحين من جهة أولى، قدر التباين بينها، ومن جهة أخرى، تباين تكويناتها الشخصية
الداخلية. وبغية بلوغ ذلك سننطلق مع كل شخصية على حده، أي بعزل الشخصيات المركزية
الأربعة، وموضعتها ضمن الأحداث المحيطة بها التي أسستها لفهم دور التاريخ الشخصي
لكل منها في بناءها أمامنا.
أولاً/ التاريخ
العقائدي (بين الديني والأسطوري)
بشير إحدى
الشخصيات المركزية الأربعة ضمن نص التابوت، يمتلك جذراً تأسيسياً متميزاً وخاصاً
به، وينطلق جذر بشير من ليبيا الماضوية والقديمة، ليبيا قبل قرون، حيث تسود مفاهيم
الشيخ والطريقة والجن والشياطين. قام المتكلم بتأطير تذكر "بشير" لقصة
الشيخ الأسمر التي تتناقلها ألسن العامة من أهل مدينة بشير، بروايات مختلفة، ومن
خلال مباشرة نقل تلك الحكاية، وكذلك بعض الإشارات النصية الأخرى، تدرك شدة تجذُّر
هذه الحكاية ضمن نسق بشير الداخلي ونعتبر بنية حكاية بشير الأولى هي حكاية الشيخ
الأسمر وصراعه مع الجن وطرده للجن من الصحراء وموته.
1)
الحكاية الأولى
"الأسلاف
يقولون إن الجن هجر الشمال والمدن الممتدة على ساحل البحر منذ قرون. ركن إلى البيد
الموحشة واستوطن الوديان البعيدة وشعاب الجبال النائية المرشوقة في بطن الصحراء
كقلاع جبارة من حديد(...) بعض الأسلاف يؤكدون أن النصر لم يتأكد تماما إلا بعد أن
ترأس الشيخ الأسمر الحملة. انتصر البشر وتتبعوا فلول القبائل الفارة حتى حدود
فزان، وطردوهم إلى متاهات الصحراء الكبرى "[37].
إن هذه اللعنة التي شخصت في النص من خلال
المشكوك فيه ظاهرياً أي من خلال الإشاعة في بدايتها سوف تتأكد أمامنا من خلال
النتائج، ولنتابع هنا وهو يتحدث عن إشاعة ظهور الشيخ
"فعلت
الإشاعة فعلتها، وسرت بين أحاديث الأهالي في المساء"[38].وتأكدت
الإشاعة مع موت الشاب الذي يمارس الخطيئة:"إلا أن الأمر تأكد تماماً عندما
وجد الشاب المهذار ميتاً خلف حائط بيتهم المطل على الحقل"[39].
وبالانتقال المباشر للحاضر، نجد أمامنا ، بنية حديثة مهمة، تتمثل في ممارسات "بشير" داخل المزار التي تمثلت في تحرشه المستمر بالفتيات القادمات مع أسرهن ضمن زحام المزار. وتهديد الأم له وتخويفها له من أن تحل عليه لعنة "الشيخ" ما هي الضريح.
إن هذه البنية
ستواجه مباشرة ببنية فاعِلِه أخرى تمارس فعلها داخل ذات "بشير"، تلك
البنية الفاعلة هي حدث ممارسة الأم لتذكير "بشير" بخطورة ممارسة الخطيئة
في حرم الشيخ ومرقده وتستند الأم في كل ذلك على التارخ المسطور داخل القرية
والمتداول بين الناس.
"أمه قالت له وهي تسكب له الشاي الأسود:
إن قول الأم
هذا الذي نقلناه قد تذكره "بشير" وهو بداخل المزار يقوم بمطاردة الإناث،
فنتج عنه حالة ارتباك داخلية حاصلة له. من خلال ذلك كله ندرك حالة الاضطراب
الداخلي التي تعيشها ذات "بشير" تحت وطأة قوتين، قوته هو كفاعل، راغب في
ممارسة الخطيئة مع الإناث، وقوة أخرى، وهي قوة الأم كفاعل مستدعٍ باستمرار لتاريخ
حكاية "الشيخ" أو أسطورته وجعلها بؤرة فعل مضاد ضمن ذات "بشير ونجد
من خلال تفتيت الحكاية السابقة بنية الفعل التالية

شكل (1) يوضح
دور التاريخ في بناء شخصية بشير
ومن خلال شبكة العلاقات السابقة التي يتم فيها
الربط بين الماضي والحاضر كيفية اتساق وانتظام الأشياء الفاعلة ضمن شخصية
"بشير" من خلال الجذر المؤسس التاريخي الذي أنتجت بناءً عليه، أحكام
ومفاهيم تم استدعاءها من قبل الأم والناس ضمن الرصيد الفكري للجماعة عن قصة
"الشيخ".
ثانياً/ تاريخ
الجهاد ضد الطليان
ينطلق "زيدان" من خلال حكاية قديمة
تمثل جذراً تاريخيا متميزاً له، وهي حكاية جهاد الأجداد ضد الإيطاليين، إن كل من
يحمى الوطن هو لنا ومنَّا، وإن كل من يمس الوطن هو عدو لنا، وهو المرفوض في وعى
"زيدان"، ويطرح عبر زيدان باستمرار عظمة المجاهدين الأوائل ومنهم جدَّه،
وجعل (الراوي الخارجي) من خلاله وهو يشخص حكاية معركة الهاني، يظهر لنا وبقوة ما
أنوجد في ذات "زيدان" من مكانين، ومن خلال صورة معركة الهاني وجد زيدان
المجاهد تتكون الحكاية الأولى.
1)
الحكاية الأولى
"تقدم جد
"زيدان" في برد الفجر. رأى تجمعا من جنود الفاشست يجر مدفعا. استتر
بصخرة ثم شرع يقتنصهم. ثقبت إحدى رصاصاته رأس أحدهم فتبعثر الجنود مسرعين. سدد إليهم بندقيته مرة
أخرى وصرع جنديا آخر وهوى الثالث بعد أن
خرقت رصاصة صدره. كانت الخسارة فادحة في صفوف الطليان. أطلت الشمس كاملة. سكبت
شعاعها الأبدي على طرابلس. ارتقى المجاهدون معراجا آخر في القتال على دوي المدافع
وزمجرة الرصاص. أخذوا بصولة الفناء عن الأشياء"[41].
إن
"زيدان" ينطلق من جهاد الأبطال ويجعله مدداً فكرياً وروحياً مستمراً،
وذلك بالطبع طرح لتشكيل الجذر التأسيسي داخل ذات الشخصية "زيدان" أمامنا
من قبل الراوي الخارجي، إن "زيدان" في عمق عمقه عاشق لهذا الوطن، وراغب
وبقوة في الدفاع عنه، عاشق لوطنه وأرضه ولدينه، بل ويسعى لترسيخ مفهوم ضرورة حماية
الوطن لدى الآخرين
" قال لأقرانه الذين سخروا منه: التدريب على السلاح هو الطريق لمعرفة أسرار
القتال. والقتال في سبيل الأرض هو في الحقيقة قتال عن وجود الإنسان نفسه"[42].
بعد ذلك وعند
الانتقال للصحراء، سيتجسد أمامنا موقف "زيدان" من القتل عموماً، وهو ما
يجسد حقيقة ومفاهيم "زيدان"، الذي يرى في القتل لأجل الوطن وحمايته
ضرورة ويرى عدم القتل لغير ذلك، وجعلت مفاهيمه تلك تتجسد علناً من خلال قصة الناقة
الرمزية وقضية قتلها.
ونستطيع أن نجد
أنه نتاج لانتظام انسجام البعد الداخلي لزيدان من الصعب وضع شبكة بناء واحدة لهذه
المجموعة من الرؤى الفاعلة ولكن سنحاول أن نختزلها في خطاطة واحدة، ذلك إنه وكما
يبدو لنا، ليس الماضي هو الفاعل في "زيدان" ولكن "زيدان"
المتدين والوطني هو المنتقى من الماضي ما تناسب رؤاه.

شكل (2) يوضح دور التاريخ في بناء شخصية زيدان
إننا كما نرى من خلال التقسيم السابق لبنية
الفعل مع شخصية "زيدان"، سنلاحظ كيف مارس زيدان خياراته الواعية، إن
الأسهم التي وضعناها خارجة من اسم زيدان في منتصف رسم البناء السابق، توضح مقصدنا
عندما تحدثنا عن كون كل أفعال زيدان كانت قصديه، وكانت إفرازاً طبيعياً لخياره
الواعي الناتج عن بعده الداخلي المكون من حب الوطن والتدين كطريق، عبر هذا المحور
الداخلي كانت مفاهيم "زيدان" تدور دائماً حول القيم التي تنتجها ذاته،
فالرجولة المثالية والرؤية الدينية والعشق حد التولُّه بالأرض هي النتاج الطبيعي،
لهذا التركيب ونتاجاً لذلك تتجسد كل المفاهيم وكل الخيارات، فالقتل مرفوض قطعاً
إلا دفاعاً عن الوطن، إن قضية قتل الناقة الرمزي يمثل اختباراً حقيقياً لشخصية
زيدان. وهو كشخصية فاعلة بذاتها يمتلك القدرة باستمرار على الفعل عندما يحين
موعده، ويمتلك القدرة على الاختيار في المواقف المختلفة، إن "زيدان"
باستمرار يتخذ موقفه من الوطن والقتل والجهاد والدين وشرب الخمر والمزرعة (العمل)،
ويبدو في قلب كل ذلك فاعلاً في الغير وموجهاً للأفكار. فالصحراء بالنسبة
لـ"زيدان" جزء من هذا الوطن الكبير، حمايته واجب والبقاء فيها لا يضير
بل هو واجب، على الرغم من أن مكانه المفضل هو "عين الشرشارة"، كما أنه
من حيث الأفكار يدور ضمن السياق الفكري شبه الصوفي بين النذير والبشير والركوع
والسجود والتعبد وحب الإله.
ثالثاً/
التاريخ القريب (زمن السبعينات) ودوره في بناء شخصية "المتكلم"
كانت معيشة
"المتكلم" في طفولته، ضمن الفضاء المكاني (القرية) في ليبيا السبعينات
مع بداية التحولات الكبرى الاقتصادية والاجتماعية مع ظهور النفط كعامل حاسم في
تغيير العلاقات والطبائع بين أفراد المجتمع، كما تم رصد حالة التحول من القرية إلى
المدينة، وهي الحالة الناتجة عن ذات التغيرات الكبرى في بنية المجتمع السبعيني.
"كان أبي
يرجع من الصحراء في عربة كبيرة لها صندوق مملوء بالصناديق والحقائب. تقف العربة
أمام البيت وينزل أبي. ينزل معه أشخاص آخرون، ينزلون بعض الصناديق والحقائب مع
أبي. تتكوم الصناديق وحقائب سفر أبي على الأرض أمام بيتنا. يميل أبي بجسده على العربة.
يتحدث قليلا مع الرجال ثم يضحك"[43].
كما أن تربيته
وطفولته كانت في القرية حيث حميمية الطفولة واللعب مع الأخ الوحيد في كنف الوالدة
الحاضرة دوما مع غياب الأب الذي كان يشتغل في النفط:
"في
ذكريات قريتي منذ زمن بعيد. عندما كنا أطفالا كنا نرقب بلهفة غامرة لحظات هطول
المطر. عندما كانت تهب نسائم الخريف الرطبة، وتوغل الآفاق في الشحوب والرمادية
وتكتسي السماء بالسحب الغامقة الثقيلة الحبلى بالماء وتبدأ دره على الأرض. كنا
نركض وسط رائحة التراب المبلل، ونهتف في قداسة عميقة ..يا مطر صبي صبي.. كانت
قلوبنا الصغيرة ترتعش رهبة وبهجة لمرأى موكب الغيث المقدس وهو يهبط إلى
الأرض.."[44]
إننا كما نرى قمنا بتفتيت بنية الجذر التأسيسي
الأول لشخصية المتكلم وأخذنا ونحن نرصد الأشياء الفاعلة في ذاته، أخذنا نرصدها في
صورة مكونات حكائية، فحددنا الحدث المركزي الحاصل والفاعل ضمن بعده الذاتي وزمن
حدوثه ومكانه باعتبار الفضاء المكاني فاعلاً في تكوين الشخصية ثم حددنا أيضاً
الشخصيات المحيطة به في ذلك الزمكان والمُحقِّقة لهذا الحدث وسنستمر بهذا الشكل .
إن الانتقال من القرية للمدينة، واستقرار الأب
وعمله في ورشته الخاصة التي افتتحها وسفر الأخ للخارج، كل ذلك يعتبر نواة حكاية
تنضم مع الحكايات السابقة لتمارس فعلها على الشخصية "المتكلم" هذا
التحول من القرية للمدينة ظهرت علاماته على باقي الشخصيات فالأم مثلاً تكلم أبنها
كما يلي : "وتقول بلهجة نساء المدينة:
وهو يتصرف فيما
بعد مع عبد العزيز بطريقة أهل المدن:" ولم أكلف نفسي حتى عناء السفر إلى
القرية التي تقيم فيها عائلته الكبيرة لتقديم واجب العزاء. كانت علاقتي به التي
صنعتها المدينة تريحني على نحو ما من الخوض في مثل هذه المجاملات" [46]
إننا من خلال ذلك ندرك كيف مارس الروائي من خلال
الشخصيات إظهار فعل الأحداث الحاصلة سابقاً في تصرفاتها الآن. تستمر بنية الحكاية
المتتابعة لقصة "المتكلم" من خلال حادث مهم آخر.وبمتابعة كل الحكايات
السابقة بإمكاننا استنتاج بنية الحكاية التالية لشخصية المتكلم، التي ندرك من خلالها نسيج العلاقات الفاعلة على
ذات الشخصية المركزية الأولى وكيف ساهم كل ذلك في تأسسها أمامنا عبر الأب والأم في
العمل النفطي أثناء الطفولة الحالمة، كما نرى تأثير موت الأم السلبي على الشخصية
الذي ظهر واضحا ضمن تفاعله مع شخصيتي "بتول" و "عبد العزيز" حيث تبرز الأحداث
التالية كيف تحقق مفهوم مختلف وجديد عن الحياة لديه.

شكل (3)
يوضح دور التاريخ في بناء شخصية المتكلم
رابعاً /
التاريخ الرمزي أو اللاتاريخ
يبدو "جمعة" الشخصية الإشكالية
والمختلفة في بنية حكاية التابوت الكلية، ذلك أن "جمعة" تشكل أمامنا من
خلال حديث المتكلم عنه غالباً، ونظراً لما أعلنه "المتكلم" في أكثر من
موقف عن رفضه لشخصية "جمعة" فإن شخصية "جمعة" المرفوضة، سوف
يُهَمَل جذرها القديم، كما أن هناك ترميزاً على طول النص إلى أن الولادة الحقيقية
لـ"جمعة" هناك في الصحراء، ونظراً لأنه لا يوجد ضمن بنية الحكاية لنص التابوت
أي إشارة لماضي "جمعة" -باستثناء المناص الموجود الذي يشير لفعل قوم
(صالح عليه السلام) وقتلهم الناقة - سنتعامل مع "جمعة" وكأنما ولد
(ولادة رمزية) في الصحراء منساقين في ذلك وراء رموز حكاية التابوت.

شكل (4) يبين دور التاريخ في بناء شخصية "جمعة"
وعبر الخطاطة
التالية، نلاحظ كيف حدثت ولادة "جمعة" الحقيقية في الصحراء كجندي وموته،
ثم كيف مارس فعله، أولاً في قتل الناقة وثانياً في قتل الثعلب.
إن شخصية "جمعة" باستمرار شخصية
فاعلة -ولكن بلا تاريخ وهو مثل زيدان
باعتباره ينتقي خياراته- وشخصية قادرة على اتخاذ القرارات المجسِّدة لبعده الذاتي
ونسقها الداخلي.
التاريخ وبنية حكاية رواية سرة الكون
للأصفر
تتكون
رواية سرة الكون عند النظر إليها من خلال مكوناتها النوعية من مجموعة من المكونات
متنافرة و صعبة الاجتماع في نص واحد، ومع ذلك تمكن الراوي من خلال حالة البكاء المستمر
وألمه غير المنتهي من تصدير حالته الشخصية للمروي لهم، ومن ربط كل ذلك في بوثقة
نصية، نقول عنها بصعوبة رواية لانزياحها جنسيا ونوعياً، ولا ينقص ذلك من جمالية
بناءها شيئا.
اجتمعت
في سرة الكون/الرواية، وسرة الكون/الوطن تلك الذات المأزومة المشرفة على الهلاك،
مع نزف مستمر وتوظيف للعديد من المكونات نجملها بسرعة كما يلي
1)
الرواية التقليدية.2) السيرة (شبه) الذاتية. 3) شعر النثر. 4) المادة العلمية
التاريخية.5) الخطاب الساخر. 6) الخطاب الغرائبي.7) نصوص الكاتب السابقة (مقاطع من
قصص وروايات).
كل
تلك المادة المختلفة والمتباينة من حيث مستويات تحققها، تمّ تجميعها عبر ذات يتسم
وعيها بعدة مستويات
1)مستوى
المتأمل فيه (الوطن(المكان)/الذات/التاريخ).
2)مستوى
الاشتغال توظيف سرد أقرب ما يكون لسرد تيار الوعي مع الاشتغال المستمر على فواعل
خاصة كانت مرتكز أولي، وتمتلك هي ذاتها بعد رمزي لكي تمارس الذات –ذات الراوي
والروائي- نزفها ورسمها لحالة الألم المستمر الذي تعيشه.
حكاية الرواية:
تحكي
رواية سرة الكون سيرة شبه ذاتية لكاتبها محمد الأصفر الذي ينطلق في سرده من منطقة
شحات في الجبل الأخضر حيث يقيم هو وأسرته في بيوت الشباب هناك، ويبدأ السرد من
خلال لازمة يرددها الراوي منذ البداية :
"مصر
أم الدنيا وأنا من الآخرة وليبيا يتيمة بائسة جذرها مدفونة تحت الرمال..."[47]
ومن
خلال هذه اللازمة ينطلق راوي الأصفر -أو هو ذاته- في أسطرة ليبيا سواء من خلال
السرد أو شعر النثر.
يعود بنا الراوي إلى شحات و الفندق الذي يسكنه
بعد أن يرسم صورة بانورامية ذات بعد تارخي عن تاريخ قهر المصريين لأهل ليبيا، ومن
الفندق –بيت شباب شحات- حيث يرسم الراوي طبيعة تعامل السكان المحليين مع السواح
الأجانب، ويرسم عبر لغة متهكمة أحد ليالي بيت الشباب، ثم ينقلنا لمصر ونتعرف على
قصة الشغالة بهية وبنفس اللغة السابقة الساخرة يرسم لنا الراوي قصة بهية وولادتها
وحكاية تعرف والدها البحار الليبي على أمها المصرية ، وهو بذلك يضعنا في الماضي
ويضعنا في العلاقات الاجتماعية زمن السبعينات –حيث هناك انفتاح في العلاقات
الليبية المصرية، وحركة زواج وغيرها بين أهل البلدين. نتابع بعد تعرّف والد بهية
على أمها وزواجهما، كيف طلبت الطلاق بسرعة لمجرد تأخره زمن قليل وعادت لبلادها.
وبذلك تربت أبنتها بهية فاقدة لوالدها وظل ذلك الوالد التائه بين الموانئ حائرا لا
يعلم عن أبنته شيئا.
من
بهية وقصتها إلى دراستها في الجامعة للآثار نجدنا في انتقال لليبيا بحثا عن نبتة
السلفيوم، وبذلك نحن ننتقل من مصر لليبيا، ومن التقرير العلمي المنقول عن الشخصية
بهية، ننتقل إلى شحات ثم لطرابلس، حيث نجد قصة تعرف الراوي (الشخصية المركزية) على شاعرة
يكنيها بمورينا، ويعيش حالة وفاق عجائبية دائمة مع أبيها المتوفي، ويحرك عبر السرد
قصة فاعل عجائبي أخر هي أبنته الموهومة (مهجة) التي لا زالت في عالم الغيب.
يبدأ
من خلال مورينا ووالدها وأمها وطرابلس بكل معالمها التاريخية والثقافية والسياسية
في البكاء على الحاضر بلغة الشعر.
العلاقة بينه و بين (مورينته) تتوقف لعدة أسباب
منها وجود دسائس من مجهولة تقوم بتخريب هذه العلاقة وينتقل بنا الراوي في لحظات
توتره من الحاضر للماضي من خلال الحركة الحاصلة في الساحة الخضراء وكذلك حواره مع
مشرفة في القلعة التاريخية (السرايا الحمراء) و نجده يرسم أمامنا تاريخ حكام هذا
المكان من القرمانليين وقصة وصول احمد باشا للحكم وصراعه مع الأمريكيين . وعند
العودة للحاضر وعلى لسان مهجة أبنته نجد القصة الغرائبية لإعدام أحمد باشا في
الساحة الخضراء وننتقل من طرابلس إلى المغرب و من الواقعي إلى الغرائبي مع حضور
مستمر لقصيدة النثر وأخيرا عندما يترك الراوي مورينا الشاعرة في طرابلس، ويعود
لبنغازي، يكتشف ما فعله رجال الأمن (أثناء بحثهم عنه) من عبث في شقته. ويبدو مع كل
ذلك هوس هذا الراوي حد الجنون بالوطن، وخوفه عليه من احتواء الغرب له ومن أهله
خاصة مع انفتاح البلد على الخصخصة والرأسمالية الغربية ضمن عالم القطب الأمريكي
الأوحد. فتحول بذلك الصراع التاريخي بين الليبيين والأمريكيين في البحر زمن الدولة
القرمانلية مادة جيدة للراوي لكي يؤسس من خلالها تعريفه للصراع بين ليبيا والغرب
في الزمن الماضي، كما استخدم المادة
التاريخية التي يظهر فيها ظلم الحكام الفراعنة لليبييين القدامي كمادة لسب الجارة
القريبة مصر.
ينهي
الروائي عمله بقراءة كتبها الشاعر الليبي سالم العوكلي وكان قد وضع جزء من هذه
القراءة على ظهر هذه الرواية وحاول فيها الشاعر رسم الخلفية المجهولة لسفر الروائي
الأصفر في روايته من قورينا الشرق لطرابلس الغرب.
رواية سرة الكون و التاريخ:
بغية
الوصول إلى طبيعة التكوين التاريخي داخل هذه الرواية سنقوم بمتابعة خطابها من خلال
مراحله المتتابعة، ومناقشة طبيعة حضور التاريخ في كل منها، وكيفيات تحققه، وعلاقة
كل ذلك بمكونات الحكاية (الحدث والشخصية والزمان والمكان).
المرحلة
الأولى من الرواية :
يبدأ
الروائي كما أسلفنا روايته من خلال قصة رفضه لمصر. يحقق ذلك عبر لغة شعبية ساخرة
وفي سيل من الكلمات لا يتوقف. ومن مصر المكان في زمن الحاضر ننتقل للماضي ويرسم
لنا في صورة شديدة البؤس كافة الآلام التي عاشها الليبيون على يد المصريين. كان
الانتقال يتم من زمن لزمن عبر لعبة السرد ومع الراوي الذي تطارده لازمته التي
يرددها
"
مصر أم الدنيا وأنا من الآخرة .. هذه اللازمة تلازمني كأنا .. تطرق مخيلتي أينما
اتجهت .. لا أدري لماذا ؟"[48]
ثم
نجدنا بعد ذلك مع ما يمكن تسميته بسرد تيار الوعي حيث الراوي يعيش حالة عصف أو هوس
فكري ويمارس طرح ما يندس في ذاته بشكل مباشر أمام المروي لهم وتمثل ثيمة العلاقة
بين ليبيا ومصر الثيمة المركزية التي يدور حولها سرده.
نجد
بدايات الدخول الرسمي للتاريخ عبر رسم العلاقة القديمة بين الليبيين والفراعنة حيث
سيكون القهر الذي مارسه الفراعنة على سكان ليبيا آنذاك (بحسب التاريخ الذي تصنعه
الرواية) أداة الراوي للتعبير عن ألمه من جهة، وعن خوفه الدائم على هذا الوطن الذي
يحبه أكثر من كل شيء. لنتابع هنا كيف يطرح الراوي التاريخ داخل السرد ويمارس
(إمعانا في الإثبات) استحضار مراجعه التي يعتمد عليها في ذلك.
"في
القديم القادم
أجدادنا
العطاشى
ذبحهم
الفراعنة
في
الصور واللقي الأثرية التي أمامي :
أسرى
للفراعنة من قدماء الليبيين ( متحف اكسفورد . عن جوزيبي جلاسي )
قدماء
الليبيين وهم يجثون على بطونهم ويتمددون على ظهورهم تضرعا للفرعون ( مقبرة حور محب
) ( عن o.bates ) .
الفرعون
أسد وجنوده عقبان والليبيون مجرد جثث ( المتحف البريطاني )
ليبيون
قدماء من دافعي الجزية ( من كتاب الليبيون الشرقيون للمؤرخ o.bates
)
خمسة عشر ليبـــيا ما بين قوائم جواد
رمسيس
(
كتاب عمود السماء داود حلاق )
نقش
أثري يثبت هول المجاعة التي أحاقت بقدماء الليبيين – مدخل هرم الملك أوناس ( عن
مانفريد فيبر ) .
رمسيس
الثاني يذبح أسراه بالمنــــــجل عن (o.bates ) كتاب تاريخنا صادق النيهوم .
فرعون
يدق وتـداً في رأس أسير ليبي ( متحف القاهرة ) عن جوزيبي جلاسي ."[49]
كما
نلحظ من المقطع التاريخي السابق كيف انتقل بنا الروائي من زمن لزمن ومن موضوع لأخر
حيث نجد -بعد هذا الرفض لمصر والتذكير بتاريخ العلاقة السيئة قديما - صورة تاريخية
تتحقق من خلال توظيف خطاب الصور واللقى الأثرية المنحوت عليها ما يمكن اعتباره
تاريخ صامت يقوم الراوي باستنطاقه وتوظيفه في سياق سوسيونصي خاص. ويرتبط التاريخ
كما نرى مما سبق بالمكان، إذ هو تاريخ بين شعبين يقطنان مكانين محددين.
ينتقل الراوي لعين المكان (الصراعي) كلما أراد
أن يشتغل على مرحلة تاريخية معينة. وكذلك الروائي بعد أن يعلن هنا عن وجوده،
سيتحول هو /الراوي إلى إقامته في شحات ويصور هناك الوضع ومن شحات سننتقل لقصة بهية
والسلفيوم وهي العودة الثانية لمصر.
المرحلة
الثانية
نجدنا
هنا والراوي مقيم في شحات ننتقل لمصر
ولقصة بهية التي سبق أن تحدثنا عنها في حكاية الرواية ويرسم بخطاب ساخر طريقة تعرفّه
عليها وبنفس النمط الساخر يخلق الفرصة لتحقق المتناقضات ويجعل منها مقبولة، فبهية
التي اشتغلت في مجال الآثار وتحركت للبحث عن السلفيوم تتحول لخادمة ويبدو ذلك كله
مقبولا. كما نجد من الحين للأخر خطاب الأسطرة، ومن أهم ما تم أسطرته نبتة السلفيوم
بغية الدخول ورصد تاريخ الشرق الليبي.
يتموضع الراوي في مصر ويتضاد بذلك مع المرحلة
الأولى حيث تمَ رصد تاريخ مصر سابقا والفراعنة والراوي في شرق ليبيا. ومع
مضي السرد ينقل على لسان بهية التقرير العلمي الذي تحدث عن السلفيوم، هذا التقرير
قام الروائي بالحديث عن مصادره من خلال أشخاص محددين ومعروفين باشتغالهم التاريخي،
بحيث تحولنا هنا بواسطة حيلة سردية من الخطاب الروائي للخطاب العلمي التاريخي.
"(أ)..
هذه بعض أوراقها عن السلفيوم :
(ب)هذا
البحث اعتمدت فيه بشكل أساسي على عدة مراجع عربية وأجنبية أذكر بعضها :
(ج)*
قوريني الوجه الآخر للأستاذ الباحث داود حلاق .
*
تاريخ برقة السياسي والإقتصادي للدكتور الفاضل رجب الأثرم .
*
الأغريق في برقة للعالم الأثري فرنسوا شامو ترجمة الدكتور الفاضل محمد الوافي ...
"(د) السلفيوم نبات حولي شأنه شأن نبات الحلتيت ، له
جذر غليظة ممتلئة ، وساق سميكة كساق ذلك النبات ، وأوراق شبيهة بأوراق الكرفس ،
وبذرة مغلفة بغشاء مفرطح ، ولهذا السبب فأن بذرته تسمى ( الورقة ) ."[50]
في
(أ) نجدنا أمام تأطير[51]
الراوي للسرد وهو يرسم لنا صورة تلقيه للبحث الذي كتبته بهية عن السلفيوم. في (ب)
نجد بهية تحدثنا عن بحثها ثم في (ج) بهية تذكر المراجع التي اعتمدت عليها في
كتابته، ثم في (د) نبدأ في قراءة هذا التقرير العلمي. ويتحول هذا التقرير عن السلفيوم
لأداة يتم بواسطتها رسم تاريخ المكان وأسطرته ورسم عظمته في الوقت ذاته.
المرحلة
الثالثة
يتم الانتقال في المرحلة
الثالثة من شحات وصراع ليبيا ومصر ومن
السلفيوم، لعمل صورة متكاملة لمدينة بنغازي من خلال إدخال تقنية البرنامج الإذاعي
وما تحتمله هذه الحيلة من فرص لطرح كل ما يرغبه الروائي على لسان الإذاعيين.
"
تنبعث الآن من المذياع ومن نافذة غرفتى أيضا بمدينة شحات قوريني أصوات طيور ترفرف
وتزقزق وأبتهج وتواصل الأخت(...): " وكان الجيران يعرفون بعضهم دون تحفظ أو
عقد من أي نوع في علاقات مبنية على البساطة والصدق .. ويربون السلاحف ويعتبرونها
فألا حسنا .. ويزرعون دوالي العنب التى تطل بعناقيدها الخجولة على الشوارع مع
بدايات شهر يوليو ، ويتقافز الصبية في محاولات يائسة لقطفها (...) يتابعون بشغف
مقالات صادق النيهوم وخليفة الفاخري ويرددون أشعار الضياع والحرية لعلى الفزاني
ومحمد الشلطامي. "[52]
المرحلة
الثالثة تتميز بأنها محطة من التاريخ القريب يتم بواسطتها رسم صورة بانورامية
للفضاء المكاني (بنغازي) تمهيدا للانتقال لطرابلس. إن المرور من خلال بنغازي يؤكد
لنا هنا مركزيتها في الرواية فبنغازي هي التي تؤطر كل الأمكنة التي يرسمها راوي
الأصفر، والتاريخ القريب للمكان هو الأكثر
أهمية، وهو التاريخ الذي لا يتوانى الأصفر عن رسمه هنا وهناك، وهو تاريخ يختلط فيه
الماضي مع الصورة الاجتماعية مع الرصد لسريع للتحولات فيصبح أشبه ما يكون بتاريخ
للمكان ولأهله.
"
وتساءلت في نفسي ما علاقة طائر السنونو بكتاباتي ؟ وهل ينفع تحليقه على سطح روايتي هذه .. ؟ وما رائحة انفاسه وريشه ..
سلفيوم .. قرنفل .. أريج فطري .. أشعر براحة الآن وكاننى عدت تواَ من بنغازي .. لا
أرى نشازا في وجود النص .. أي شيء من بنغازي يدخل الرواية دون تحفظ .. وأي شيء من
مورينا يرقص فيها رقصا .. رواياتي كلها رباية ذائح لنصوص الأصدقاء الشفيفة..
أدخلوها بسلام آمنين .."[53]
سننتقل
من بنغازي لطرابلس وستكون هذه النقلة عبر قصيدة النثر وعبر أسطرة هذا الوطن من
خلال قصيدة النثر، ونجدنا هناك أمام تاريخ أخر مختلف عن السابق، كما نجد بالإضافة
للماضي التاريخي، تشريحا للحاضر، بحيث يتحول راوي الأصفر في نهاية الرواية منطلقا
من الماضي وتاريخ المكان ليعلن عن توجسه من المستقبل فيما هو (يشعرن) الحاضر.
المرحلة
الرابعة
نجد
قصيدة النثر التي كتبها (عمر الكدي) راسما صورة هائلة الفخامة لهذا الوطن.
الأصفر يدخل هذه القصيدة ويؤسطر عبرها هذا الوطن ومنها ومن أسطرة الوطن ينتقل
مكانيا لطرابلس ويبدأ في مناوشة تاريخ الأسرة القرمانلية. هذه المرحلة تعد الأكبر
من حيث الحجم، وينتقل فيها الراوي باستمرار من الحاضر للماضي بحيث يحقق له المكان
التاريخي (السرايا الحمراء) الفرصة للربط بين الماضي التاريخي وبين المكان الباقي
المستمر في الوجود.
هذا
التاريخ يصير طاقة للتأمل وأداة لطرح
الهواجس، لنتابع هنا كيف يتحدث الروائي عن وعيه بالتباين بين القصيدة ونصه ومع ذلك
يضعه لتمتلك القصيدة انطلاقا من موضعه الجديد بعدا أخرا
"..
الكتابة لدي سهلة والسهولة ليست هي الاستسهال .. السهولة هي التلقائية المفرطة
والصدق الباهر للعيون .. وأدعوا أي كاتب
يشعر بما أشعر به ويريد أنْ يزرع نصا من نصوصه في رواياتي فليفعل وليختر أي بقعة
في الرواية وها هو الشاعر الليبي عمر الكدي يأتي وينقش بظفر كحله في سرتنا هذه ..:
ليبيا
بدويةٌ شرسةْ
تحب حين تحب من تشاءْ
وتكره
حين تكره من تشاءْ (...)
لاشيء
في البال أهبه لك
سوى
كياني المهشم
وقلبي
الواسع الوثير.
دليني
كيف أحبك أكثر؟
وكيف
أروُّض هذا الدلال الفج ؟
وكيف
لا أدوس ارتباكي في الشارع المزدحم ؟"[54]
يبدأ
الانتقال كما أسلفنا للمكان ومن المكان الجديد سنجد أنفسنا نتابع مع سرد
الحاضر-الذي لا يعنينا هنا في بحثنا التاريخي- الانتقال من الحين للأخر للماضي.
ونلحظ كيف يترابط ذلك مع حركة الشخصية ضمن
الفضاء المكاني، بحيث يتم التحول مباشرة بمعاينة أو رؤية المكان التاريخي من زمن لزمن ومن أحداث خاصة
لعامة
"...
أعبر سريعا عبر القوس أغوص في الحارة
(المدينة القديمة) .. تتزاحم في
رأسي ستون حكاية وحكاية أشمّ منها عبق التاريخ .. أستنشق منه القليل بينما أعطس الباقي
.. أنا رجل طبيعي .. أتذوّق جيدا فلا أحتاج لأي ( نفّة) لطرد القذى الفاسد من رئتي
.. أعمدة الشوارع الضيقة وممرات الأغتيال العثمانية بأقواسها الآيلة للسقوط كانت
متآكلة الجسد .. أنظر إليها باستهزاء وسخرية".[55]
إن الراوي كما رأينا ينتقل من
المكان –ذي الخصوصية التاريخية- ليضعنا في الماضي. هذا الماضي يصبح هنا التاريخ
العثماني ثم نجده يتحول للأسرة القرمانلية شيئا فشيئا وهو ما يمكِّنه من أن يعلن
هواجسه من الحاضر باعتبار طبيعة الصراع القديم القائم بين الأسرة القرمانلية وبين
الإمريكان.
لنتابع في
البداية كيف يوظف الراوي الحركة داخل المكان المتحف –الذي يمثل فضاءًا مكانيا
مميزا لاستعادة التاريخ- بما يمتلكه من أشياء تاريخية تؤشر أو تصبح دلالات صامتة
على أزمنة أنقضت. لنتابع كيف يدخل الراوي للمتحف ويبدأ حركة نكشه للتاريخ.
"
أسأل الموظف عن فتاة أعرفها اسمها مفيدة اعتقد أنها مفيدة لقلبي في اضطراب
الأثناء.. صعد لإشعارها وبصري جال يلتهم فتنة المكان .. الشمس مشرقة آوان الضحى ..
ترسل أشعتها الذهبية .. تعم أرجاء الصحن والواسع .. المحاصر بأعمدة رخامية قصيرة
.. قممها مزدانة بتيجان منقوشة .. ترفع على كاهلها أقواسا مرممة حديثا .. تزين
جدران الصحن .. خلفية من بلاط القيشاني الملون .. في منتصف الصحن تتمركز نافورة
جميلة ينساب منها الماء ببطء شديد .. حول
النافورة أصص صغيرة محشوّة بالطين الجاف"[56]
ثم بعد لقاءه
بالمشرفة نجده يستغل حركته داخل المتحف(وهي حركة ضمن محور المكان) ليرسم موقف من
التاريخ عبر فواعل قائمة (التماثيل) تنوب عن أباطرة التاريخ.
"صعدت
الدور الثاني وأخذتني مفيدة بعد الترحاب في جولة بغرفة تاريخية .. دخلنا حجرة المراحل التاريخية .. عدة تماثيل
من اللدائن ربما استعيرت من محل ملابس جاهزة . ألبست هذه التماثيل أزياء تعبر عن
كل مرحلة من تاريخ طرابلس .. ملابس رومانية .. بيزنطية .. عثمانية .. اسلامية ..
وملابس قراصنة يقطع صدورها الصليب ومخلفات كثيرة لمستعمرين وفاتحين تقليديين ..
وقفت مطولا أمام التمثال العثماني .."[57]
إننا كما نرى
أمام الراوي و هو ينتقل ليرسم أمامنا التاريخ ويلخص عبر لعبة السرد قرون من الزمن
وسنلحظ فيما بعد كيف يتم توظيف هذا التاريخ الخاص لقراءة زمن الحاضر حيث سيكون
التركيز أكثر على المرحلة القرمانلية من تاريخ ليبيا، تلك المرحلة التي كان الصراع
بين ليبيا وأمريكا في أوج قوته. يستعين الراوي بالتاريخ ليرسم تأمله المملوء بالخوف
عن هذا الوطن والرغبة في بقاءه الدائم نقيا. وسنجد هناك أيضا أن النقلة الزمنية
للتاريخ تكون عن طريق المكان حيث المسجد العتيق الذي بناه احمد باشا يصبح أداة
جيدة للتحول، لنلاحظ هنا الفعل الطرح
الرمزي لعلاقة التاريخ القرمانلي بالتاريخ الروماني في وجدان وذات الراوي.
"الساحة هادئة .. بضع سيارات حكومية تمر وتتوقف وسيارات أخرى تمشي
ببطء على استحياء .. مئذنة جامع أحمد باشا تتجاوز قوس اورليوس ماركوس ثاقبة
بطربوشها الحجري الفضاء .."[58]
نلحظ الطبيعة
الساخرة للخطاب السابق، وسيكون كل ذلك مادة لتحول الروائي لتاريخ الدولة
القرمانلية باعتبارها تشكل ضدا للأمريكيين. لنتابع هنا كيف قام الروي بإدخال قصة
احمد باشا الذي سيصبح فعل إعدامه الرمزي أداة
لبكاء الراوي طيلة النصف الأخير من الرواية.
"بنيت هذا الجامع بعد أن قضيت على الوالي أبا مويس .. كان يريد
قتلي المأبون الغدار .. أرسل معي قرطاسا مفخخا إلى قبائل غريان .. كنت لا أطمئن
إليه ومعروف عن القرمانليين فخرهم بالأمية فلا أسعد بالقراءة ولا الكتابة .. نحن فرسان أبطال فقط .. طلبت من
مرافقي أن يقرأ ما كتب ذاك التيس .. وجدته أمرا بقتلي .. غيرنا الكتابة إلى نصرتي
وحُكت مؤامرة فورية وناصرني شيوخ بدو غريان سكان الجبال".[59].
نجد المزيد من
تفعيل التضاد بين الوطن وبين أمريكا عن طريق السينما. حيث يتسبب دخول الراوي
للسينما –لغرض غير رؤية الفيلم- في رصده لفيلم أمريكي يصور بطولات الأمريكيين
وتحريرهم لفيلادلفيا من آسر يوسف باشا، فتتحرك بذلك الرغبة لدى الراوي ويبدأ في
التجوال عبر تخوم التاريخ الطرابلسي القريب.
"
لم نكترث للفيلم لم نشاهده ولو أن بعض كلماته طرقت لا
إراديا آذاننا وبعض مشاهده هتكت عنوة ستارة أبصارنا ..الفيلم به البطل الأمريكي
رامبو يستعيد السفينة فيلادلفيا ويسوق يوسف باشا أسيرا ذليلا في قبوها السفلي هو
وزوجته البيضاء وزوجاته الأخر الخلاسيات
وابنتيه الفاتنتين الشهيدتين الشريفتين المدفونتين الآن في روضة تزار على
طريق الشط بطرابلس "[60]
ومع مضي
الرواية ومن خلال الشخصية الوهمية (مهجة) سنجد تحول الراوي للبكاء على الوطن حيث
يعيش هو وأبنته التي لازالت في عالم الغيب حالة خوف رهيبة على الوطن من الغرب
الأمريكي خصوصاً وتصبح الساحة الخضراء لخصوصيتها كمكان ذو بعد خاص، موضعا لطرح هذا
الخوف وهذا التوجس بحيث يصبح الفضاء المكاني باستمرار فاعل متميز مرتبط بالتاريخ.
"..
أمها تستـنـفـرها للوقوف ومهجة متسمّرة مكانها وتشير بإصبعها إلى وسط الساحة وهما ينظران حيث تشير ويتساءلان
ماذا هناك يا مهجة؟! ..محاكمة أحمد باشا القرمانلي .. والآذان يكتمل الآن ويخرج
الناس فرادى وزرافات .. وتسألها مورينا أي محاكمة يا بنت بلا تخيلات نوضي الشمس
حرقاتك وحرقتنا معاك .. وتقول مهجة الأمريكان يحاكمون ابننا أحمد باشا .. الجامع
خلفي لا أراه .. أرى برجا معدنيا قبيحا مدببا كمسمار يوخز سماء شعبي ويمزق بكارته
أشلاء . استأذنهما محمد للصلاة في الجامع وأرجأته مهجة قليلا .. أنظر إلى المنصة
في منتصف الساحة محجوبة بستارة سوداء (...) أحمد باشا في قفص القطران . أنهم يعدمون داخلها ابننا
أحمد باشا يا ماما يا بابا .. لا صلاة الآن .. لا ركيض صوب جوامع غائبة .."[61]
إن التاريخ
يصير مادة لطرح التأمل في الحاضر من خلال الخلط الذي يحققه المكان بديمومته
واستمراره في البقاء واستمراره قائما وحاملاً لرمزية خاصة.
لقد اشتغل الراوي كما رأينا بقوة على المكان
بحيث صار جامع احمد باشا أداة لرسم الخلفية الدينية للمجتمع ومادة للانتقال
للتاريخ وطرح رؤى في السياسة والصراعات الحضارية وغيرها من القضايا الكبرى. ويظل
راوي محمد الصفر حتى نهاية الرواية منتقلا من مكان لمكان وراصدا باستمرار من خلال
التاريخ وتضافره مع المكان الواقع الحالي لليبيا اليوم وما لها و ما عليها بحسب
رؤية تحمل إستراتيجية تفكيك خاص لكل المكونات الاجتماعية والثقافية وتحمل رؤية ذات
بعد استشرافي للمستقبل وما سيكون فيه.
خلاصة
عن التاريخ وتقنيات استحضاره في الرواية :وظف الراوي كما
رأينا لخلق تحول من زمن لزمن ومن تاريخ لأخر خطاب الصور واللقى التاريخية ورسم بها
تاريخ العلاقة بين ليبيا ومصر، بينما وظف التقرير العلمي التاريخي عن السلفيوم
ليرسم عبر هذا الفاعل المميز تاريخ ليبيا وتاريخ التفاعلات الحاصلة في المكان وكان
أن وظف خطاب الإذاعة المسموعة ليرسم صورة بنغازي في الماضي القريب حيث أصبحنا مع ما
يمكننا تعريفه بالتاريخ الاجتماعي، كما وجدنا الدخول للمتحف والتحول عبر ذلك لرصد
تاريخ من مروا على المكان (طرابلس)
والدخول للسينما لاستعادة تاريخ العلاقة الليبية الأمريكية وفي وسط كل ذلك كان
الترابط الأكبر يحدث بين المكان والحدث لاستعادة التاريخ بحيث صار وصف المكان استعادة
للتاريخ وصار المكان بحكم كينونة بقاءه واستمرار تواجده الثابت في مقابل الزمن المتغير
والمتبدل المكون الأكثر نفعا لاستحضار التاريخ خاصة مع عدسة السرد التي لا تفارق
الشخصية المركزية غالباً، وتنطلق من الزوايا التي يراها، بحيث صار على الروائي أن
يدفع شخصيته باستمرار في حركة مستمرة لا تتوقف من مكان لأخر، لجعل التبدل من زمن
لزمن أكثر منطقية. وعبر كل ذلك كان هناك بنية ثابتة للشخصيات حيث كان الراوي
باستمرار مع أنثى تتناسب مع المكان بحيث نجد من تحليلنا لكل الانتقالات المستمرة
للشخصية من فضاء مكاني لأخر الثنائيات المترابطة التالية. نجد العلاقات سابقة
الذكر تتم كما يلي :
الراوي
مع الزوجة في شحات _______________ الراوي مع بهية في مصر
الراوي
يعود من بهية في مصر _____________ للزوجة في شحات
الراوي
من الزوجة في شحات ______________ إلى
مورينا في طرابلس
الراوي
من مورينا في طرابلس _____________ مفيدة
في قسم الآثار (طرابلس)
من
مفيدة في متحف طرابلس _______إلى مورينا
في كل طرابلس
من
مورينا في طرابلس__________________ إلى الابنة الوهمية مهجة
الراوي
من الابنة الوهمية مهجة في طرابلس_______________ الزوجة في بنغازي
إن هذه العلاقات الخاصة لإناث ملتصقات
بالشخصية من جهة لجهة والمرتبطة معه تمثل جزء من التركيبة الكلية لبنية الحكاية،
وبغض النظر عن حقيقة ما كتب من أشياء ذات مرجعيات واقعية، كحضور أسم زوجة الكاتب
وغيرها هنا، فإننا سنتعاطى مع الأمر على أنه شبه حقيقة وليس حقيقة كاملة. باعتبار
أن تجنيس العمل لرواية يحتم علينا أن نفترض له طابعه اللعبي.
خلاصة عن الروايات والتداخل بين التاريخ
والسرد
أشتغل إبراهيم الكوني كما رأينا على
الربط بين الحدث والتاريخ عبر خلق تاريخ جديد يتحرك دائما في القيم المطلقة للمقدس
والملعون بحيث قلق عبر هذا التاريخ المختار و المنتقى والمرسوم بعناية خلق رؤية
مختلفة للعالم تمكنه من وسم من يشاء بالقدسية ولعن من يشاء. لهذا كان عليه أن
يعاضد نصه بحضور نصوص ذات بعد ديني بداية من الآية الكريمة مرورا بالمقطع المنقول
عن العهد القديم، وصار بذلك عليه أن يلغي من
ذهنه تاريخ الصراع الليبي الإيطالي، وكذلك تاريخ العلاقة بين الليبيين ومن هم في
القاعدة، لتصبح تلك المراحل التاريخية أدوات لرسم المزيد من قدسية أو لعنة
الشخصيات، أو القيم العليا لكينونة الإنسان وأنسحب بذلك من الحديث عن الواقع، وعن
الحاضر باعتبار أن ما يرسمه قابل للتحقق في أي زمان ومكان. لإواجد لكل ذلك تاريخا
يبدأ قبل وجود الإنسان ويستمر حتى الماضي القريب.
بينما وجدنا مع الغزال والتابوت توظيف وانتقاء في الوقت نفسه،
فالتاريخ حاضر بقوة لبناء الشخصيات مثل زيدان والتاريخ القريب لبناء شخصية
المتكلم، بينما وجدنا تاريخا موظفا لغرض خاص لكل من بشير وجمعة. حيث أصطنع الراوي
لبشير قصة الصراع بين المردة وبين قبيلة الشيخ الأسمر وحقق بذلك أمامنا بناء شخصية
ذات خلفية لاهوتية من نوع خاص، بينما كان عليه أن يرمز لانتماء جمعة لعاقر الناقة
ورسم بذلك أمامنا شخصية القاتل وأسطر في المقطع المقصود حِدة أثر قتل الناقة على
زيدان الرافض للقتل. الترابط كما رأينا كان بين الشخصيات والتاريخ بحيث كانت تساهم
الخلفية التاريخية في بناء شخصية خاصة ومكن هذا الراوي من بناء رواية ذات شخصيات
متعددة ومتباينة وبشكل منظم. فنحن بذلك أمام توظيف التاريخ وتوظيف سرد غير تاريخي
على أنه تاريخ. ساهم كل ذلك في بناء الشخصيات الربع الرئيسية وخلفياتها أمامنا
بحيث تحقق في التابوت ما يمكن أن نسميه بالشخصية الإنسانية.
ووجدنا مع محمد الأصفر الترابط بين
المكان والتاريخ واستعادة تاريخ الأمكنة باستمرار كل ذلك كان هاجسه لكي يعلن
أسطرته لسرة الكون ليبيا التي يحبها التي كان طيلة لرواية يمارس فعل تفخيم لها
سواء من خلال المادة التاريخية أو شعر الثر أو نهج تيار الوعي في الكتابة.
الترابط أيضا كان بيتم بين المكان
والأنثى بحيث كانت باستمرار ترافق الشخصية المركزية أنثى خاصة وكانت الصور
الغرائبية في الرواية تقدم من خلال شخصية غرائبية، وهي مهجة الابنة الموهومة التي
كانت تبكي باستمرار خاصة عندما وجدت أمامها حادثة إعدام أحمد باشا في وسط الساحة
الخضراء.
كما رأينا كان الموت يترابط مع التاريخ
وهو الأداة الرئيسية في رسم هواجس الشخصيات الكبرى حيث جعل الراوي في التابوت قضية
قتل الناقة سببا لحدوث اللعنة التي حلت على المجموع وتنتهي الرواية على موت بشير و
جمعة في التابوت، بينما كان على قابيل أن يذبح أسوف على النصب الحجري لينطق الحجر
بلغة التيفيناغ ويقدم الخلاص من الكاهن القابع هناك منذ ألاف السنين، وكان على
حادثة إعدام أحمد باشا (الرمزية) أن تكون أداة رئيسية لرسم هواجس الأصفر وشخصيته
وخوفه المستمر على ليبيا الوطن في إطار وعيه المهووس بالصراع بين ليبيا والغرب.
التاريخ كما رأينا في الروايات السابقة
لم يكن حاضرا كجنس خاص بشكل مباشر، وإنما كان مندمجا فيها هنا وهناك ومساعدا لبناء
أعمال متميزة بشعرية عالية وببناء فني متماسك.
[1]
أطلق هذه التسمية على هذه العلوم رائدها الأول الفرنسي جيرار جينيت
:
جيرار
جينيت /خطاب الحكي الجديد/ترجمة محمد معتصم/المركز الثقافي
العربي/ط.1/2000.م/ص:16/17:
حيث
يعرف مبرر تسمية هذا العلم بالسرديات :"...وبذلك يبقي هذا المصطلح ملكاً
مؤقتاً لمحللي النمط السردي وحدهم.ويبدو لي هذا الحصر مشروعاً على الأجمال مادامت
خصوصية النمط السردي الوحيدة تكمن في نمطه وليس في مضمونه، الذي يمكن أن يتكيف
جيداً مع تمثيل مسرحي أو خطي أو غيره
[2]
عبد الحكيم المالكي/ آفاق جديدة في الرواية العربية/ دائرة
الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة/ط.1/الفصل الثاني
[3] سعيد يقطين /تحليل
الخطاب الروائي/المركز الثقافي العربي/ط.2/1993.م/50،51،52
[4] سعيد يقطين /الكلام
والخبر/المركز الثقافي العربي/ط.1/1997.م /ص.32
[5] المرجع نفسه /ص.25
[6]سيزا قاسم/ بناء الرواية/ الهيئة المصرية للكتاب/ط.1
/1984.م/ص:83
[7]
عبدالحكيم المالكي/ آفاق جديدة في الرواية العربية/الفصل الثاني
[8] (G.Genette Figures II.p.56.57)
نقلاً عن :حميد الحميداني/ بنية النص السردي، ط.3/ 2000م/
المركز الثقافي العربي/ ص79،78 .
[9]
سعيد يقطين /انفتاح النص الروائي/ المركز الثقافي العربي/
ط:2/2001.م
[10] سعيد يقطين / الرواية والتراث السردي/رؤية للنشر
والتوزيع/ط:1/2006.م
[11]
سعيد يقطين/الكلام والخبر
[12]
سعيد يقطين /قال الراوي/ المركز الثقافي العربي/ط:1/1997.م
[13]
سعيد يقطين /انفتاح النص الروائي/ الفصل الثالث
[14]
المداخل السردية هنا
نعني بها المداخل التي تنطلق من علم السرديات.
[15]
سرديات الأجناس : احد مواضيع السرديات التي لازالت منفتحة على
المراكمة وفيه يتم التعاطي مع أدبية
وجمالية النص السردي من خلال التداخل النوعي و الجنسي صمنه. ونجد البعض يمسي ظاهرة
تداخل النصوص المختلفة بالنصنصة كما في حالة محمد مفتاح وكتابه مفاهيم ومعالم
بينما نجد من يقسم النص لطبقات نصية مثلما فعل سعيد يقطين في دراسته لرواية(مدينة
براقش).
للمزيد
في هذا الموضوع راجع :
محمد مفتاح/ المفاهيم معالم/المركز الثقافي
العربي/ط:1/1999.م/ص:40
سعيد
يقطين/مجلة نزوي/ مقال الطبقات النصية في مدينة براقش/عدد 27/ص:241
[16]
إبراهيم الكوني، نزيف الحجر، 1993م، تاسيلي للطباعة والنشر، ط.3.
[17]
عبد الله الغزال، التابوت، دائرة العلام والثقافة بحكومة
الشارقة، ط..1/2004.م.
[18]
محمد الأصفر/سرة الكون/مؤسسة الانتشار العربي لبنان/ط.1/2006.م.
[19]
يقصد بكلمة مناص في السرديات كل العناوين والإهداءات الأولى
وكل ما كتب قبل بداية العمل، ويشتغل المناص كمادة تكشف بعض من رمزية العمل الروائي والقصصي، للمزيد في
هذا الموضوع انظر:
سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، المركز
الثقافي العربي، ط.2، 2001م.
[20]
نقصد بالزمن هنا زمن الحكاية الأصلية في ترتيبه الخطي، وهو يختلف
بالطبع عن زمن الخطاب المتبدل والمتغير.
[21]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص26.
[22]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر ، ص27.
[23]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر ، ص5.
[24]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر ، ص8.
[25]
نقصد بالأسطرة خلق هالة أسطورية حول شيء ما أو خلق أسطورة عبر
وصف مفخم للموصوف.
[26] رواية نزيف الحجر، ص147.
[27]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص9.
[28]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص49.
[30]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص20.
[31]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص91.
[32]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص92.
[34]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص145-147.
[35]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر، ص70.
[36]
إبراهيم الكوني/ رواية نزيف الحجر ، ص7.
[38]
عبد الله الغزال/ رواية التابوت /ص، 103
[39]
عبد الله الغزال/ رواية التابوت /ص، 103
[40]عبد الله الغزال/
رواية التابوت /ص،210
[41]
عبد الله الغزال/ رواية التابوت /ص، 159
[42]
عبد الله الغزال/ رواية التابوت /ص، 150
[43]
عبد الله الغزال/ رواية التابوت /ص، 39
[44]
عبد الله الغزال/ رواية التابوت /ص، 159-160
[46]
عبد الله الغزال/ رواية التابوت /ص،180
[47]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،11
[48]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،12
[49]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،12،13
[50]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،35
[51]
التأطير هو وضع أطر الحدث وهي المكان والزمان للمزيد في موضوع
التأطير ودوره فنيا في بناء الخطاب الروائي راجع :
عبد
الحكيم المالكي/أفاق جديدة في الرواية العربية/ ص،61
[52]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص:42
[53]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،45
[54]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،85
[55]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،171
[56]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،172
[57]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،173
[58]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،230
[59]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،232
[60]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،234،235
[61]
محمد الأصفر/ رواية سرة الكون/ص،284